بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 مارس 2020

تحليل التحاليل الإحصائية: تقنية إحصائية- منهجية جديدة في العلوم الاجتماعية وإمكانية الاستفادة منها في الخدمة الاجتماعية





تحليل التحاليل الإحصائية:
تقنية إحصائية- منهجية جديدة في العلوم الاجتماعية
وإمكانية الاستفادة منها في الخدمة الاجتماعية

خبراء التحليل الاحصائي تواصل معنا عبر 00962788038777 








أ. د. سامي بن عبد العزيز الدامغ
أستاذ الخدمة الاجتماعية
كلية الآداب – جامعة الملك سعود

تحليل التحاليل الإحصائية:
تقنية إحصائية- منهجية جديدة في العلوم الاجتماعية
وإمكانية الاستفادة منها في الخدمة الاجتماعية

ملخص الدراسة

يهدف هذا البحث إلى تقديم استعراضاً نقدياً لتحليل التحاليل الإحصائية الذي يعتبر انطلاقة من الطريقة التقليدية ضيقة الأفق في استعراض الأدبيات ومراجعة الدراسات التجريبية السابقة. ويحتوي البحث على شرح واف لتحليل التحاليل الإحصائية والطرق المختلفة لعمله، كما يحتوي على عرض لمزاياه وعيوبه. ويتعرض الباحث لمدى إمكانية الاستفادة من هذه التقنية الإحصائية-المنهجية في العلوم الاجتماعية والسلوكية عامة ومهنة الخدمة الاجتماعية تحديداً. ويخلص في نهاية البحث إلى تحديد وضع تحليل التحاليل الإحصائية الحالي واستشرافاً لمستقبل هذه التقنية من منظور نقدي.












Meta – Analysis:
A New Statistical-Methodological Technology in the Social Sciences and the Possible Utility in Social Work

Abstract

               This paper aims at presenting a critical review of meta-analysis which is considered a radical departure from the traditional narrative review of literature in the experimental studies. It contains a through discussion of meta-analysis and how to conducting it, as well as its advantages and limitations. The author offers a perception to the extent of which this statistical-methodological technology can be useful for the social and behavioral sciences in general and the profession of social work in particular. He concludes the paper by offering a critical review of the present status of this new technology and its predicted future direction.




















تحليل التحاليل الإحصائية:
تقنية إحصائية-منهجية جديدة في العلوم الاجتماعية
وإمكانية الاستفادة منها في الخدمة الاجتماعية

مقدمة:
            تسعى مهنة الخدمة الاجتماعية بشكل مستمر إلى المساهمة في تطوير المعارف النظرية وتقنين أساليب الممارسة المهنية الفعالة فيها عن طريق الاعتماد على ما تم التحقق منه تجريبياً وعلى نتائج الأبحاث والدراسات، وبمعنى أخر، تسعى المهنة إلى أن تكون الممارسة المهنية فيها مبنية على البراهين، حيث أنها الشواهد المنطقية والقياسات الموضوعية لمدى قدرة المهنة على التصدي لمشكلات المجتمع من خلال ما تقدمه من نتائج ومؤشرات (البغدادلي، 1987م: 246). فالبحث يقود الممارسة المهنية في مهنة الخدمة الاجتماعية ويوجهها، إذ عن طريقه تستطيع المهنة أن تقوم أداءها مع عملاءها والتأكد من فاعلية نماذج الممارسة القائمة، وبناء نماذج جديدة أكثر فاعلية (الدامغ، 1996م: 243).
            ومن بين مناهج البحث المتاحة للعلوم الاجتماعية والسلوكية ومهنة الخدمة الاجتماعية يبرز المنهج التجريبي experimental method كأفضل منهج يمكن أن يعتمد عليه، حيث يستخدم لقياس أثر التدخلات المهنية ومدى فاعلية التدخلات المهنية المستخدمة مع عملاء مهنة الخدمة الاجتماعية. والمنهج التجريبي الذي يصنف داخل مظلة المنهج الكمي quantitative method يستخدم عادة بغرض التحقق من العلاقات السببية بين أثنين أو أكثر (حسب طريقة استخدامه، وحسب المقاييس المستخدمة، وحسب التصميم المستخدم) من المتغيرات (الدامغ، 1996م). ويقصد بالمتغيرات في مهنة الخدمة الاجتماعية المتغير المستقل (التدخل المهني) والمتغير التابع (مشكلة العميل).
            ويقوم المنطق التجريبي على فكرة أساسية ألا وهي ضرورة قدرة الباحث على عزو أو ربط التغيرات التي تحدث أو تلاحظ في المتغير التابع للمتغير المستقل بطريقة مباشرة غير قابلة للتأويل أو الشروحات الأخرى. إذ يتم في المنهج التجريبي إخضاع مفردات العينة أو مفردات البحث لظروف تجريبية بهدف تثبيت جميع المتغيرات لدى جميع أفراد العينة أو مفردات البحث أو المجموعتين التجريبية والضابطة (إن وجدت) ما عدى المتغير المستقل (التدخل المهني) بهدف التأكد من تأثيره على المتغير التابع المراد إحداث تغيير فيه أو ملاحظة مدى ما يحدث له من تغيير.
            وبالرغم من أن هناك جدل حول ما إذا كان بالإمكان التأكد بطريقة فعلية تجريبية وإثبات وجود علاقة سببية بين متغيرين أو أكثر في العلوم الاجتماعية، يظل المنهج التجريبي أفضل منهج في العلوم الاجتماعية لإثبات العلاقات السببية وأقربها إلى إمكانية تحقيق ذلك. ويعد المنهج التجريبي أفضل من منهج المسح الاجتماعي من ناحية التحقق من العلاقات السببية لأن الأخير غالبا ما ينتج عنه دراسات مقطعية عوضا عن الدراسات التتبعية، وذلك بسبب أن الباحث الذي يستخدم منهج المسح الاجتماعي لا يستطيع أن يمارس أي نوع من التحكم بالعوامل الموجودة في البيئة البحثية، لذا فعندما يرغب الباحث في إيجاد، أو التحقق من العلاقات السببية بين المتغيرات، فإن المنهج التجريبي هو الخيار الأفضل لذلك. فالمنهج التجريبي يسمح للباحث بقياس قيمة المتغير التابع ويقدم المتغير المستقل الذي يعتقد أنه السبب أو أنه يؤثر. ومراقبة التغيرات التي تطرأ بعد ذلك على المتغير التابع.
            والعلوم الاجتماعية -التي منها الخدمة الاجتماعية- كما يوحي بذلك أسمها تعنى بدراسة المجتمعات والجماعات الكبيرة وهي التي لا يمكن إخضاعها للتجربة، لذا فإن المنهج التجريبي يجبر الباحث على العمل والتجريب على مجموعات صغيرة بهدف التعميم، وهو ما يشكل عقبة أمام المنهج التجريبي، فمن المعروف بأنه كلما كان حجم العينة صغير كلما كانت مقدرة التعميم أقل والعكس صحيح. وقضية التعميم قضية رئيسة في مهنة الخدمة الاجتماعية وتتجاوز كثيرا كونها قضية منهجية، حيث أن نجاح أو فاعلية تدخل مهني معين مع نوعية معينة من المشكلات مع نوعية معينة من العملاء، يمكن سحب نتائجه وتعميمها على الحالات المشابهة فقط في حالة كون هذا التدخل قد تم تجريبه في أوقات مختلفة وتحت ظروف مختلفة (ولكن متشابهة) ومع عدد كبير من العملاء وعن طريق أخصائيين اجتماعيين مختلفين وفي مؤسسات مختلفة. هذا، وإلا تبقى قضية تعميم النتائج والاستفادة منها محدودة جدا ولا تتجاوز كونها مؤشرات يمكن فقط الاهتداء بها. وكما يلاحظ فإن المهنة تفتقر لآلية تساعد وتمكن من تعميم هذه النتائج وتوظيفها التوظيف الأمثل، لذا تبقى قضية الاستفادة من المنهج التجريبي محدودة.
            وبالرغم من ذلك فإن المنهج التجريبي هو الأقرب إلى الدقة والعلمية من بقية المناهج الأخرى، كما أن توظيفه التوظيف الأمثل في مهنة الخدمة الاجتماعية يمكن أن يطور المهنة ويؤدي قطعاً إلى وجود ممارسة مهنية منطلقة من قاعدة علمية أرسخ، وممارسة مهنية مبنية على البراهين. وهنا يكمن جزء من الإشكالية التي تحاول هذه الدراسة مناقشتها وطرح حل لها. الجزء الآخر من المشكلة هو أن الدراسات التجريبية تفتقد في معظمها إلى التراكم (Rosenthal, 1991: 3-4)، بمعنى أن يكون بعضها مبنياً على نتائج البعض الآخر أو الجديد منها على القديم. فالعلوم الاجتماعية عامة والخدمة الاجتماعية تحديداً فيها كم هائل من الدراسات التجريبية المشتتة، بحيث لا تعطي من يريد الوصول لنتيجة عامة حولها أو نتيجة النتائج حولها -إذا صح لنا التعبير- مما يجعل الاستفادة من نتائج هذه الدراسات وتوظيف نتائجها في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية تتقلص بشكل كبير. لذا يمكن تحديد مشكلة الدراسة في "مدى إمكانية الاستفادة من الدراسات التجريبية بالشكل الأمثل وتوظيف نتائجها في ممارسة الخدمة الاجتماعية". ونعتقد أن التقنية التي توفر الحل لذلك هي تحليل التحاليل الإحصائية Meta–Analysis، حيث أن تحليل التحاليل الإحصائية من الممكن أن يجعل عملية الاستفادة من المنهج التجريبي في مهنة الخدمة الاجتماعية أكثر عملية وأكثر سهولة.
تحليل التحاليل الإحصائية

            يختلف تحليل التحاليل الإحصائية Meta–Analysis عن التحليل الأساسي للبيانات في دراسة ما، ويختلف كذلك عن التحليل الثانوي (إعادة تحليل البيانات باستخدام أساليب إحصائية جديدة، أو للإجابة عن أسئلة بحثية جديدة، أو اختبار فرضيات جديدة). فتحليل التحاليل الإحصائية هو مصطلح عام يستخدم لعدد من الطرق الإحصائية في مراجعة الدراسات الميدانية التجريبية والأدبيات المرتبطة بها في أحد حقول العلوم الاجتماعية أو السلوكية أو مهن المساعدة الإنسانية. ويعد قلاس Glass أول من قدم مصطلح تحليل التحاليل الإحصائية في عام (1976م) ليصف به طريقة إحصائية لتحليل نتائج مجموعة من الدراسات الميدانية التجريبية (Glass, 1976).
            ولقد نشأ تحليل التحاليل الإحصائية أساساً كنتيجة لعدم الرضى عن الطريقة التقليدية غير الموضوعية في الاستعراض النظري ومراجعة الدراسات الميدانية التجريبية. إذ تعتمد الطريقة المتبعة حالياً في معظم الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية والخدمة الاجتماعية على مراجعة عدد من الدراسات الميدانية التجريبية ذات الصلة بموضوع الدراسة وذكر أوجه الاختلاف والتشابه مع موضوع الدراسة وتكوين انطباعات عامة غالباً ما تتسم بعدم الموضوعية.
            ولقد تم - منذ منتصف السبعينيات الميلادية - تطوير عدة طرق لحساب قيمة تحليل التحاليل الإحصائية. وتشترك معظم هذه الطرق مع بعضها من حيث أنها تجمع بين حساب قيمة "الدلالة الإحصائية" significance level للأثر الملاحظ الناجم عن التدخل المهني أو حساب قيمة "حجم الأثر" effect size الناجم عن التدخل المهني أو كلاهما. وعندما يتم جمع هاتين الطريقتين الإحصائيتين ومقارنة دراسات تجريبية متعددة من خلالهما، توفر طريقة حساب "الدلالة الإحصائية" معلومات حول ما إذا كانت نتائج مجموعة من الدراسات التجريبية قد تم الحصول عليها بعامل أو بفعل الصدفة، أم أنها نتيجة للتدخل المهني، بينما توفر طريقة حساب "حجم الأثر" معلومات عن اتجاه الأثر (ما مدى فعالية التدخل المهني) في كل الدراسات التجريبية المستخدمة.
ولعل أفضل الطرق المنهجية-الإحصائية لحساب قيمة تحليل التحاليل الإحصائية وأكثرها شيوعاً تلك التي طورها قلاس (Glass) في عام 1976م. ويعتمد منهج قلاس على تحويل النتائج المتحصل عليها من كل دراسة تجريبية إلى أرقام موحدة، بما يسمح بمقارنة النتائج بين الدراسات التجريبية المختلفة وبين المقاييس المختلفة المستخدمة لحساب النتائج outcome measures في كل دراسة. وتتم عملية التحويل هذه عن طريق حساب قيمة "حجم الأثر" التي تتم بدورها عن طريق طرح المتوسط الحسابي للمجموعة الضابطة من المتوسط الحسابي للمجموعة التجريبية ويقسم الناتج بعد ذلك على الانحراف المعياري للمجموعة الضابطة (Glass, 1976)، كما في المعادلة الموضحة أدناه:

حجم الأثر = المتوسط الحسابي للمجموعة التجريبية – المتوسط الحسابي للمجموعة الضابطة
              ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانحراف المعياري للمجموعة الضابطة

            وتسمح هذه المعادلة باستخدام "جدول-Z" لمقارنة الاختلاف في المتوسط الحسابي بين المجموعتين (التجريبية والضابطة) بوحدات وأرقام الانحراف المعياري. ويعتمد منهج قلاس على حساب "حجم الأثر" لكل مقياس للنتائج في كل دراسة.

الصدق والثبات

تأخذ مسألة الصدق validity أهميتها في تحليل التحاليل الإحصائية، ولا سيما فيما يتعلق بالصدق الخارجي external validity وصدق المفهوم construct validity. والحديث عن الصدق الخارجي وصدق المفهوم ومقارنتهما ببعضهما هو مثل الحديث عن التفاح والبرتقال ومقارنتها ببعضهما، فهناك أوجه تشابه فيما يتعلق بتحليل التحاليل الإحصائية ولكنهما قطعاً مختلفان. فالصدق الخارجي يستخدم عادة عند الحديث عن المنهج التجريبي فقط وهو معني بعملية القدرة على تعميم النتائج المتحصل عليها من خلال التجربة على المجتمعات التي يمثلها أفراد المجموعتين التجريبية والضابطة (إن وجدت). وبالتالي يكون الحديث عن الصدق هنا في مدى تمثيل الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية لمجتمع الدراسات التجريبية المتاحة حول الموضوع نفسه.
أما صدق المفهوم، فهو معني بمدى دقة واتساق المفهوم المراد قياس أثره في الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية. أو بعبارة أخرى هل المتغير المستقل المستخدم في الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية هو نفسه في كل الدراسات؟

وتأخذ مسألة الثبات reliability أهميتها في تحليل التحليل الإحصائية من كون النتائج التي يمكن أن نحصل عليها باستخدام تحليل التحاليل الإحصائية تتأثر بمدى ثبات الإجراءات المستخدمة.
ولقد نوقشت مسألة الثبات في تحليل التحاليل الإحصائية في العديد من الدراسات والأبحاث (Glass et al., 1981: Green & Hall, 1984: Hunter et al., 1982: McGuire et al., 1985). وركزت هذه الدراسات والأبحاث على عدد من القضايا، الأولى ضرورة الاهتمام بمدى ثبات المعايير المستخدمة في تحديد الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية. ويقصد بذلك، مدى إمكانية قيام باحث مستقل (آخر) يستخدم تحليل التحاليل الإحصائية بتحديد نفس الدراسات التجريبية. كما يقصد بها أيضا مدى شمولية عملية حصر الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية.
            والقضية الثانية هي درجة الثبات في ترميز مواصفات الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية. ولقد قدم ستوك وآخرون (Stock et al., 1982) عدة مقترحات لزيادة الثبات في عملية ترميز الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية وهي كما يلي:
r         تطوير واختبار نموذج ترميز قبل تحديد مواصفات الدراسات التجريبية التي ستستخدم في تحليل التحاليل الإحصائية.
r         تطوير دليل ترميز يحتوي على معلومات دقيقة ومحددة يشمل مفاتيح الترميز لنموذج الترميز.
r         توفير تدريب للمرمزين ليتدربوا على دليل الترميز وعلى نماذج الترميز.
r         القيام بعملية قياس وكتابة الثبات الداخلي للمرمزين كجزء من إجراءات تحليل التحاليل الإحصائية.
r         إعادة كتابة دليل الترميز ونماذج الترميز (أوتنقيحهما) وإعادة تدريب المرمزين حسب الحاجة لذلك.
r         وضع خطوات واضحة ومحددة لإضافة مرمزين جدد، في حالة يتم الحاجة لذلك مستقبلاً.
r         تشجيع المرمزين للمشاركة في النقاشات والقرارات المرتبطة بأنظمة الترميز.

مزايا تحليل التحاليل الإحصائية

            كما يتضح من الاستعراض السابق فإن تحليل التحاليل الإحصائية واستخدامه في العلوم الاجتماعية يحقق عدداً من المزايا والتي يمكن تحديدها فيما يلي:

توفير آلية سهلة لتلخيص كم ضخم من الدراسات التجريبية المختلفة:
            يساعد تحليل التحاليل الإحصائية على تلخيص كم ضخم من الأدبيات والدراسات التجريبية التي تنتجها العلوم الاجتماعية والسلوكية ومهن المساعدة الإنسانية، التي لا يستطيع استعراض الأدبيات التقليدي أحادي النظرة تلخيصها. فتحليل التحاليل الإحصائية مصمم لدمج نتائج الدراسات التجريبية والخطوات والإجراءات المنهجية بطريقة تجعل التعامل معها والسيطرة عليها أمراً سهلاً.
توفير صيغة موحدة للدراسات المختلفة:
يمكن تحليل التحاليل الإحصائية من تطوير وعمل وبناء صيغة موحدة يمكن بها تحويل بيانات مستقلة من دراسات تجريبية مختلفة إلى طريقة أو نموذج موحد مما يمكن من المقارنة بين تلك الدراسات بسهولة.

استعراض الأدبيات والدراسات بطريقة أكثر موضوعية:
               يعد تحليل التحاليل الإحصائية إضافة محتملة لزيادة الموضوعية في استعراض الأدبيات في الدراسات التجريبية، حيث يوفر معلومات كمية رقمية عن النتائج المختلفة للدراسات التجريبية المتباينة. إذا يساعد تحليل التحاليل الإحصائية في التغلب على الطريقة الأكثر ذاتية في استعراض الأدبيات المتمثل في الطريقة التقليدية أحادية الأفق.

زيادة القوة الإحصائية:
            يمكن تحليل التحاليل الإحصائية من اختبار العلاقات وتحديد الاتجاهات التي لا يمكن اختبارها أو تحديدها بطريقة أخرى (Green & Hall, 1984). فالتحليل الإحصائي للبيانات لدراسات تجريبية متعددة يمكن تحليل التحاليل الإحصائية من اكتشاف العوامل، والإجراءات المنهجية التي لها علاقة بالنتائج المختلفة.

تحديد الفجوات البحثية في الأدبيات:
            يمكن تحليل التحاليل الإحصائية من التعرف بدقة على المناطق التي تمثل فجوات بحثية في الأدبيات أو التي تحتاج إلى عمل أبحاث فيها، وبالتالي يقود إلى اختبار، وتحديد اتجاهات محددة تخدم أغراض واضحة للأبحاث الجديدة.



زيادة جودة ونوعية الدراسات التجريبية المستقبلية:
            يضيف تحليل التحاليل الإحصائية إلى نوعية وجودة الدراسات التجريبية اللاحقة (المستقبلية) حول موضوع ما، حيث يتم تعليم معايير الدراسات التجريبية الجيدة، وتوضيح الطرق المنهجية التي تبدو أكثر ملائمة من غيرها أو التي أثبتت نجاحها في الأبحاث السابقة.

يمكن من اختبار فروض بحثية غير قابلة للاختبار بالطريقة التقليدية:
               عدى كون تحليل التحاليل الإحصائية يساعد على الوصول إلى نتائج عامة حول مجموعة من الدراسات التجريبية، فهو يسمح بدراسة التفاعل بين الدراسات وذلك باختبار فروض بحثية لا يمكن اختبارها بالطريقة التقليدية في استعراض الأدبيات مثل أثر توجهات نظرية مختلفة على النتائج المتحصل عليها.

توجيه الباحثين والمنظرين والممارسين ليكونوا أكثر تحديدا:
            بسبب تركيزه على التكميم (استخدام المنهج الكمي بما فيه من تحديد واستخدام للأرقام) للمتغيرات، يشكل تحليل التحاليل الإحصائية ضغطاً على الباحثين والمنظرين والممارسين المهنيين (الأخصائيين الاجتماعيين) ليكونوا أكثر تحديداً ووضوحاً وليختبروا نتائجهم (البحثية والتدخلات المهنية) بطريقة نقدية أكثر (Fiske, 1983).

            وتجدر الإشارة أنه وبرغم ما تمثله مزايا تحليل التحاليل الإحصائية من تقدم رئيس في مجال استعراض الأدبيات للدراسات التجريبية في العلوم الاجتماعية والسلوكية ومهن المساعدة الإنسانية، إلا أنه يجب التنبيه هنا إلى أن هذه المزايا تقوم على فرضية أساسية مهمة ألا وهي أن يتم تنفيذ وعمل تحليل التحاليل الإحصائية بطريقة سليمة وخالية من الأخطاء التي تتعلق بافتراضات خاطئة أو أخطاء منهجية، وهذا الافتراض قد لا يمثل دائماً واقع الحال.

عيوب ومحددات تحليل التحاليل الإحصائية

               لقد تبين من الاستخدامات المتعددة لتحليل التحاليل الإحصائية أن هناك عيوباً ومحددات يجب النظر إليها ملياً وإدراكها لأنها تمثل نقاط ضعف أساسية لا يمكن إهمالها. وهذه المحددات أو العيوب هي كما يلي:

المشكلات المنهجية الموجودة في الأدبيات السابقة (الدراسات التجريبية السابقة):
               تتفاوت الدراسات التجريبية السابقة المستخدمة في تحليل التحاليل الإحصائية من حيث المنهجية المستخدمة فيها، فبعض هذه الدراسات تحتوي على مشكلات منهجية أساسية تمثل ضعفاً وخللاً في تلك الدراسات. والمشكلة تكمن في عملية دمج الأبحاث الضعيفة منهجياً مع الأبحاث التي لا تحوي مشكلات منهجية كما هو الحال في تحليل التحاليل الإحصائية. ويعبر عن هذه المشكلة ونتائجها المحتملة بالمثال التالي (garbage in – garbage out) فالمعطيات الرديئة أو المكونات الرديئة تؤدي إلى مخرجات رديئة.
            ويمكن تقسيم المشكلات المنهجية في المنهج التجريبي إلى نوعين:

أولا: مشكلات تتعلق بالصدق الداخلي للتجربة:
               يقصد بالصدق الداخلي للتجربة (في المنهج التجريبي) القدرة على الجزم بأن النتائج المتحصل عليها من التجربة هي نتيجة فقط للمتغير المستقل (التدخل المهني) الذي تم تعريض أفراد المجموعة التجريبية له، وليس لأي عامل آخر. ويمكن تحديد العوامل المؤثرة في الصدق الداخلي للتجربة كما أشار إليها كامبل واستانلي (Campbell & Stanley, 1963) كما يلي:

1-التاريخ/ الزمن:
               ويقصد به تلك الأحداث المحددة التي ربما تكون قد حدثت بين فترتي القياس القبلي والقياس البعدي بالإضافة إلى المتغير المستقل والتي من الممكن أن يكون لها أثر في التغيير الملاحظ على المتغير التابع (مشكلة العميل) أو الفارق بين القياسيين القبلي والبعدي. بمعنى أن الفرق بين القياسيين القبلي والبعدي قد يكون نتيجة لأحداث حصلت أو وقعت بين فترتي القياس وليس بالضرورة للمتغير المستقل (التدخل المهني).

2- النضج:
            وهو مجموعة العمليات العقلية والبيولوجية التي تحدث أو قد تحدث للعملاء أو المبحوثين من أفراد المجموعتين التجريبية والضابطة (إن وجدت) والتي تكون نتيجة لعامل الزمن وليس لها علاقة بأي أحداث خارجية أخرى مثل النضج العقلي نتيجة للتقدم في العمر أو التعب أو الإجهاد أو الملل الخ... والتي من الممكن أن تكون السبب في الفرق بين القياسيين القبلي والبعدي وليس بالضرورة للتدخل المهني المستخدم في التجربة. ويكون هذا العامل أكثر تأثيراً كلما كانت التجربة المستخدمة أو التدخل المهني المستخدم يأخذ وقتاً طويلاً، بمعنى أن أثر هذا العامل يقل كلما كانت المدة الزمنية بين القياسين القبلي والبعدي قصيرة.

3-عملية القياس:
               ويقصد بذلك أثر الاختبار القبلي تحديدا على نتائج القياس البعدي، حيث أنه عادة في اختبارات الذكاء على سبيل المثال يكون أداء الطلاب للاختبار الثاني أفضل من أدائهم للأول، حيث أن الأفراد يتعلمون مع تكرار الامتحان كيف يقرؤونه بطريقة أفضل ويتوقعون إلى حد كبير الأسئلة وكيفية التعامل معها. أثر عملية القياس قد يكون لها أثر يمكن أن يعزى لها الفرق بين القياسيين القبلي والبعدي وليس بالضرورة للمتغير المستقل.



4- المقياس/ المقاييس:
            تعد عملية القياس بحد ذاتها أحد مخاطر الصدق الداخلي، فربما يكون السبب في الفرق الملاحظ بين القياسين القبلي والبعدي نتيجة لعملية القياس نفسها. فكلما كانت المقاييس المستخدمة لقياس أثر التدخل المهني (المتغير المستقل) دقيقة وصادقة وثابتة، كلما قلت احتمالية تأثير هذا العامل. وكلما كانت المقاييس المستخدمة تفتقر إلى درجة عالية من الصدق والثبات، كلما كان أثر هذا العامل أكبر.

5- الانحدار الإحصائي:
               يقصد بالانحدار الإحصائي الميل الطبيعي نحو الوسط، ومعنى ذلك أن الفرد الذي يحصل على درجة صفر أو 100 من 100 في اختبار ما (مقياس ما)، من المتوقع ألا تثبت نتيجته في كلا الحالتين. لذلك، فإنه متى ما كان المبحوثين قد تم اختيارهم للاشتراك في التجربة بناء على أدائهم السلبي جدا أو الإيجابي جدا في اختبار ما، فإن الفرق بين القياسيين القبلي والبعدي قد يكون لهذا السبب وليس بالضرورة للتغير المستقل.

6- التحيز في اختبار وتوزيع مفردات العينة بين المجموعتين التجريبية والضابطة:
               التحيز/ الخطأ في اختيار أفراد البحث أو المجموعتين التجريبية والضابطة قد يكون هو السبب في الفرق بين القياسيين القبلي والبعدي، أو في الفرق الملاحظ. ويكون هذا التحيز واردا متى ما كان هناك توزيع غير عشوائي لأفراد المجموعتين التجريبية والضابطة أو متى ما كان هناك قياس بعدي فقطٍ.

7- تناقص/ تسرب مفردات العينة خلال التجربة:
            يحدث أحيانا تناقص في عدد أفراد المجموعات التجريبية و/أو الضابطة بين القياسيين القبلي والبعدي وحيث أن القياس القبلي والبعدي كلاهما يعتمد على المتوسط الحسابي للمجموعة ككل وليس لكل فرد على حدة، فإن التناقص في عدد الأفراد الداخلين في حساب المتوسط الحسابي قد يكون هو السبب الرئيسي في الفرق بين القياسيين القبلي والبعدي وليس بالضرورة للمتغير المستقل.

8- التفاعل بين عملية الاختبار والنضج لمفردات العينة:
               عندما يكون هناك أفراد، يكون هناك تفاعل. التفاعل بين أي مجموعة من الأفراد يختلف بالضرورة عن التفاعل بين أي مجموعة أخرى من الأفراد، لذا فإن الأفراد أثناء عملية النضج التي تحدث نتيجة لعامل الوقت فقط يتفاعلون بطريقة مختلفة تماما، مما قد يكون السبب في الاختلاف بين القياسين القبلي والبعدي وليس بالضرورة للمتغير المستقل.

            فالخلل الموجود في أي دراسة داخلة في تحليل التحاليل الإحصائية، سيؤثر على النتيجة النهائية المتحصل عليها من تحليل التحاليل الإحصائية، ويقلل بالتالي من قيمتها، وإمكانية الاستفادة من نتائجها والاعتماد عليها. ويمكن التعامل مع هذه المشكلة المنهجية بطريقتين مختلفتين، أولهما: استبعاد الدراسات التي فيها مشكلات منهجية والاستغناء عنها والاكتفاء بالدراسات الرصينة منهجياً في تحليل التحاليل الإحصائية. وثانيهما: ترميز هذه الدراسات ووسمها واستخدامها بهدف تحليل أثر المنهجية الضعيفة على المحصلة النهائية للنتائج.
            والحل الأول في رأينا هو الأسلم إلا أنه أيضا لا يخلو من مشكلة منهجية بدوره والتي تتمثل في استخدام عينات قد تكون غير ممثلة أو متحيزة للدراسات التجريبية التي عملت وأجريت في حقل ما حول موضوع معين، وهو ما سنتطرق إليه بالتفصيل تحت عنوان المشكلات المتعلقة بالصدق الخارجي للتجربة.



ثانيا: مشكلات تتعلق بالصدق الخارجي للتجربة:
            يقصد بالصدق الخارجي للتجربة (في المنهج التجريبي) القدرة على تعميم ما يتم التوصل إليه من نتائج أثناء التجربة على أفراد آخرين وعلى المجتمع الذي يمثله الأفراد الداخلين في التجربة. بمعنى أنه لو تم التوصل من خلال تجربة اعتمدت على 20 من الأحداث المنحرفين الذين يعانون من مشكلات سلوكية إلى أن مدخل تعديل السلوك فعال معهم، وأنه يقلل من السلوكيات غير المرغوب بها، ويعزز السلوكيات المرغوب بها، فالصدق الخارجي في هذه الحالة، هو إمكانية تعميم مدخل تعديل السلوك للتعامل مع كل الأحداث المنحرفين. فأحد نقاط الضعف الأساسية في أي استعراض للدراسات التجريبية السابقة (سواء كانت عن طريقة تحليل التحاليل الإحصائية أو الطريقة التقليدية في استعراض الدراسات التجريبية السابقة) تتمثل في التحيز الناجم عن استخدام دراسات غير ممثلة لمجتمع الدراسات التجريبية السابقة وبناء النتائج النهائية على أساسها. إذ أن هناك دراسات كثيرة غير منشورة كما أن هناك دراسات كثيرة هي عبارة عن رسائل ماجستير ورسائل دكتوراه هي بدورها معظمها غير منشورة. هذا الكم من الدراسات التجريبية غير المشمولة في استعراض الدراسات التجريبية السابقة يؤدي حتماً إلى رسم صورة نهائية غير متكاملة عن الموضوع المراد إجراء استعراض للدراسات التجريبية السابقة حوله، وبالتالي الوصول إلى نتيجة قد تكون مضللة وغير دقيقة.

نظرة مستقبلية لتحليل التحاليل الإحصائية

من الممكن أن يكون لتحليل التحاليل الإحصائية أهميةً وأثراً خاصاً على السياسة الاجتماعية social policy حيث يمكن إيصال نتائج تحليل التحاليل الإحصائية بسهولة لصانعي السياسة الاجتماعية من غير المتخصصين، وخاصة عندما يكونوا في المراحل الأولية من تحليل السياسة الاجتماعية وخلال عملية مفاضلة خيارات عدة متاحة ترتبط بالسياسة الاجتماعية.
والسياسة الاجتماعية كلمة فضفاضة يمكن أن تعني أشياء كثيرة، كما يمكن أن تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفون. ويقصد بالسياسة الاجتماعية هنا التوجه العام على مستوى الدولة في المجال الاجتماعي (أو أي مجال آخر....مجال التعليم المجال الصحي...ألخ) أو على مستوى المؤسسات الاجتماعية والمرتبط بالضرورة باتخاذ قرارات معينة ولكنها مصيرية وأساسية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتبنى مؤسسة اجتماعية معنية بشؤون الأيتام سياسات اجتماعية مختلفة مثل سياسة الأسر البديلة أو سياسة الدور الإيوائية أو سياسة قرى الأيتام. واتخاذ القرار بانتهاج سياسة معينة وتفضيلها على غيرها يفترض أن يكون مبنياً على معلومات دقيقة ونتائج دراسات تجريبية أثبتت نجاح طريقة من هذه الطرق على حساب الطرق الأخرى.
            ولقد تطرقت فيديكا-شيرمان (Videka-Sherman, 1990) للإضافات المحتملة التي من الممكن أن يقدمها تحليل التحاليل الإحصائية لبناء السياسة الاجتماعية. فلقد ذكرت أن تحليل التحاليل الإحصائية من الممكن أن يقدم  نظرة أولية شاملة للمشكلات التي من الممكن أن يحدثها وجود أو عدم وجود سياسة اجتماعية، كما أن تحليل التحاليل الإحصائية يسمح باختبار أثر وفاعلية التدخلات المهنية على نطاق واسع من المشكلات (الصحة العقلية، الصحة، رعاية الطفولة...الخ)، كما يشير تحليل التحاليل الإحصائية إلى النقص في الدراسات التجريبية في المجالات التي تحتاج إجابات قبل بناء السياسة الاجتماعية.
            كما أشارت فيديكا-شيرمان إلى المشكلات المحتملة التي من الممكن أن تؤثر في استخدام تحليل التحاليل الإحصائية لبناء سياسة اجتماعية، فلقد ذكرت العديد من المشكلات التي ذكرناها سابقا (تحت عنوان نقاط الضعف) وأضافت علاوة على ذلك الخوف من أن يستخدم تحليل التحاليل الإحصائية كأداة لتبسيط الأمور بشكل أكثر من اللازم أو لعمل تعميمات أكثر مما يجب (مثل على سبيل المثال: العلاج الأسري فعال)، ومع ذلك فإن استخدام تحليل التحاليل الإحصائية لبناء السياسة الاجتماعية يشد الانتباه ويعد حديث نسبياً.
            كما قدم نيوجنت (Nugent, 1990) اقتراحات جيدة تتعلق باستخدام تحليل التحاليل الإحصائية في بناء السياسة الاجتماعية والممارسة المهنية على حد سواء. حيث ركز على أهمية ترجمة نتائج البحوث والدراسات التجريبية إلى لغة قابلة للفهم وبعيداً عن اللغة العلمية الأكاديمية الجافة وضرورة تقديم تعميمات يمكن أن يتم تحويلها إلى خطوط عمل عريضة قابلة للتطبيق. ونبه إلى أن تحليل التحاليل الإحصائية ونتائجه يمكن أن تدمج مع إطار قائم يهدف إلى توظيف نتائج الدراسات التجريبية في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية research utilization.

تعليق

            يحسب لمهنة الخدمة الاجتماعية أنها مهنة تسعى دائما للتطوير والتجديد مما جعلها منفتحة على العلوم الأخرى وتسعى للاستفادة مما يجد في الحقول القريبة منها. ولعل ذلك نتيجة طبيعية، كون مهنة الخدمة الاجتماعية أساساً وليدة للتكامل المعرفي، مدركة منذ نشأتها أن ما لديها وحدها في حدود التخصص وإطارها المعرفي لا يكفي، وأنه من الممكن الاستفادة مما توصل إليه الآخرون في الحقول العلمية الأخرى.
            ويتراوح موقف مهنة الخدمة الاجتماعية عند توافر تقنية أو أدوات جديدة من التقبل التام لها وتبنيها وتوظيفها إلى الرفض التام لها وعدم استخدامها. ويقع بين طرفي هذا النقيض التقويم الواعي وتقدير ما يمكن أن تقدمه هذه التقنية الجديد لمهنة الخدمة الاجتماعية وكيفية الاستفادة منها، أو التعرف على حدودها وعدم قدرتها على إثراء المهنة أو الإضافة لما فيه وبالتالي تركها.
            ويعد تحليل التحاليل الإحصائية أو الاستعراض الكمي للدراسات التجريبية على أنه طريقة عملية لتلخيص نتائج الأدبيات في موضوع ما (Green & Hall, 1984)، فمقارنة بالطريقة التقليدية المبنية على الانطباعات، يمكن تحليل التحاليل الإحصائية من الوصول إلى نتائج أقوى عن طريق استخدام عدد أكبر من الدراسات التجريبية، وتحليلها باستخدام منهجية إحصائية، وهو ما يجعل أثر التدخلات المهنية ومدى فاعليتها تتبلور بشكل أفضل. وتتضح أهمية تحليل التحاليل الإحصائية عندما لا يكون هناك اتساقاً في نتائج الدراسات الداخلة في التحليل.
            وتجدر الإشارة إلى أن تحليل التحاليل الإحصائية لا يهمش الدراسات الركيكة منهجياً ويستبعدها على أساس أنها غير ذات فائدة، بل يعمد - عوضاً عن ذلك- إلى اختبار أثر تلك الدراسات على الناتج النهائي لتحليل التحاليل الإحصائية. فتحليل التحاليل الإحصائية أقرب إلى الموضوعية من الطريقة التقليدية في استعراض الأدبيات والدراسات التجريبية السابقة.
            وعلى حد تعبير قلاس وكليجل (Glass & Kliegl, 1983) فإن تحليل التحاليل الإحصائية هو تقويمي ويعنى بالتوجهات النظرية ويهدف، بالإضافة إلى ذلك، إلى تقدير نقاط القوة ونقاط الضعف في التدخلات المهنية أكثر من عملية شرح وتفسير النتائج. وعلى الرغم من أن تعبير قلاس فيه تقليل من قيمة تحليل التحاليل الإحصائية. فلقد وجد كل من لايت وبلمر (Light & Pillener, 1984) وقرين وهول (Green & Hall, 1984) أن فائدة تحليل التحاليل الإحصائية تكمن في تحديد الفجوات الموجودة في الأدبيات المرتبطة بالدراسات التجريبية، أو المناطق التي تحتاج إلى المزيد من الدراسات التجريبية، وكذلك توجيه الدراسات التجريبية إلى وجهات جديدة ربما برزت الحاجة إليها، وإيجاد العلاقات الوسيطة والتفاعلية المؤثرة، أو الاتجاهات التي قد تصعب ملاحظتها أو التي لا يمكن صياغة فرضيات قابلة للاختبار حولها في دراسة تجريبية مفردة. وبالرغم من أن هناك من انتقد قضية التباين في النتائج (نتائج الدراسات التجريبية الداخلة في تحليل التحاليل الإحصائية) على أنها مضرة بتحليل التحاليل الإحصائية، إلا أن هناك آخرون يعتقدون أن تحديد وتعريف ما يمكن أن يقدمه تحليل التحاليل الإحصائية يستحق اهتمام خاص ويمكن أن يساعدنا على فهم فرضيات جديدة (Wolf, 1986).
            وكأي تقدم في مجال طرق البحث أو أحد مجالات الممارسة، يعتمد مستقبل تحليل التحاليل الإحصائية –إلى حد كبير- على الطريقة التي سيتبعها المنادون به في تطوير وتحسين الطرق المنهجية المستخدمة لحسابه، بهدف التخلص - أو على الأقل تقليل- النقد المنطقي الموجه لطريقة تطبيقه. وإذا كانت السنوات العشر الماضية يمكن أن تنبئنا بالسنوات العشر القادمة، فإننا سنشهد تطوراً ملحوظاً في تحليل التحاليل الإحصائية، حيث استطاع المنادون به، خلال العشر سنوات الماضية، من تطويره وتقديمه بصورة جعلته يؤخذ بشكل جدي.
            وعلى الأرجح، فإن تحليل التحاليل الإحصائية ليس صرعه أو موضة سرعان ما تنتهي، فبالرغم من أنه كان يعد كذلك في وقت من الأوقات - قبل أن يطور بالشكل الذي هو عليه الآن-، فلقد حصل تحليل التحاليل الإحصائية على قبول لدى المتخصصين في العلوم الاجتماعية والخدمة الاجتماعية والمهتمين بالقضايا المنهجية لما يمكن أن يقدمه لطرق البحث والإحصاء في العلوم الاجتماعية والسلوكية ومهنة الخدمة الاجتماعية.












المصادر العربية


البغدادلي، محمد حسين
1987م                البحث في الخدمة الاجتماعية: إسهاماته وقضاياه. الرياض: مجلة كلية الآداب، جامعة الملك سعود (مجلد 14). ص 245-268

الدامغ، سامي عبد العزيز
1996م                تصميمات النسق المفرد: أنواعه وتطبيقاته في مجالات الخدمة الاجتماعية. الكويت: مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت (مجلد 24). ص 243-270















المصادر الإنجليزية


Campbell, D. T. & Stanley, J.C.
1963                       Experimental and Quasi-Experimental Designs for Research. Chicago: Rand Mcnally.

Fiske, D. W.
1983                       The meta-analytic revolution in outcome research. Journal of Consulting and Clinical Psychology, 51, 65-70.

Glass, G. V.
1976                       Primary, Secondary, and meta-analysis of research. Educational Researcher, 5, 3-8.

Glass, G. V. & Kliegl, R. M.
1983                       An apology for research integration in the study of psychotherapy, Journal of Consulting and Clinical Psychology, 51, 28-41.

Glass, G. V., McGaw, B. & Smith, M. L.
1981                       Meta-analysis in social research. Beverly Hills, CA: Sage.

Green, B. F. & Hall, J. A.
1984                       Qualitative methods for literature reviews. Annual Review of Psychology, 35, 37-53.

Hunter, J. E., Schmidt, F. L. & Jackson, G. B.
1982                       Meta-analysis: Cumulating research findings across studies. Beverly Hills, CA: Sage.

Light, R. J. & Pillemer, D. B.
1984                       Summing up: The science of reviwing research. Gambridge, MA: Harvard University Press.

McGuire, J. G., Bates, B. J., Dretzke. E, McGivern, K. L., Rembold, D. R., Seabold, B. M., Turpin J. R. & Levin, J. R.
1985                       Methodological quality as a component of meta-analysis. Educational Psychologist, 20, 1-5.

Nugent, William
1990            "Meta-Analysis in Social Work" pp. 333-337. In Lynn
                    Videka-Sherman & William J. Reid (Eds.). Advances in
                    Social Work Research. Washington, DC. NASW Press.

Rosenthal, Robert
1991            "Meta-Analytic Procedures for Social Research".
                    Newbury Park: CA. Sage Publications, Inc.

Stock, W. A., Okun, M. A., Haring, M. J., Miller, W., Kinney, C. & Ceurvorst, R. W.
1982                       Rigor in data synthesis: A case study of reliability in meta analysis, Educational researcher, 11, 10-14.

Videka-Sherman, Lynn
1990           "Meta-Analysis: A User's Perspective" pp. 326-329. In
                    Lynn Videka-Sherman & William J. Reid (Eds.).
                    Advances in Social Work Research. Washington, DC.
                    NASW Press.
Wolf, Fredric
1986            "Meta-Analysis: Quantitative Mthods for research
                    Syvthesis". Newvury Parl: CA. Sage Publications, Inc.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجالات الإرشاد النفسي المدرسي

  مجالات الإرشاد النفسي المدرسي   مقدمة: هناك العديد من مجالات الخدمة النفسية المتنوعة، فمنها إرشاد الأطفال، وإرشاد المراهقين، وإرشاد ...